شـــارِدة
ما لها، نحْوَ المآسي شاردَهْ؟
تشربُ الماء الغثائيَّ..
وتبقى واردَهْ؟
ما لها، تأكل ثدْيَيْها..
وتسْتلْطفُ رُوح الماردَهْ
أين عيناها؟
روى الراوي لنا قصَّة عينٍ راقدَهْ
وروى قصة أنهارِ يقين راكدهْ
وروى قصَّة أنثى انطلقت نحو لهيبِ النَّارِ..
في ليلة بُؤْسٍ باردهْ
وروى قصَّة آلافِ الجموع الحاشدَه
وروى قصَّة آلافِ القلوب الحاقدهْ
ما لها، نحْو المآسي شاردَهْ؟
ما لها، تسْتَمْنِحُ الوهمَ غذاءً..
ولديها المائدهْ؟
أقسمتْ مأساتُها..
أنَّ لها وجهين لا يلتقيانْ
ولها ألف مكانٍ..
وهي لا تملك شِبْراً من مكانْ
ولها ألف زمانٍ وزمانْ..
ولها ألف حصانٍ..
كلُّها تركض في البيداءِ من غير عِنَانْ
ولها مليارُ إنسانٍ وثُلْثٌ فوقَه..
يشكُون من فقد الأمانْ
ولها نِصْفُ يدٍ، أرْهقها نصْفُ قلَمْ
ولها حِبْرٌ بلا لونٍ، وقرطاسُ سأمْ
ما لها، نحو المآسي شاردَهْ؟
أين منها الوعيُ؟
هل باعتْه في سوق الضَّياع الكاسدَهْ
أين منها القلبُ؟
ما سِرُّ أحاسيس الفؤاد الجامدَهْ؟
أين منها العقلُ؟
هل أصبح في صَفِّ العقول الجاحدَهْ؟
ما لها، نحو المآسي شاردَهْ؟
ما لها، تطلب خصباً من جفافْ؟
ووفاقاً من خلافْ؟
ما لها، تسْتنْبِتُ الحسرة منها في الشَّغافْ
من تكونين؟!
وظلَّت ساهمه
بنتُ مَنْ أنتِ؟!
وظلَّتْ في سكونٍ واجمهْ
كل شيءٍ كان يُوحي..
أنها تحمل روحاً هائمَهْ
حينما لَمْلَمْتُ أطرافَ الكلامْ
رَفَعَتْ مقلتَها نحوي، وقالت باهتمامْ:
أنا من قومٍ كرامْ
أنا من بيتٍ له في شُرْفَة العزِّ مقامْ
كان جدّي فارساً ترْهبُه كلُّ القبيلهْ
وأبي كان هُماماً ذا بطولاتٍ جليلهْ
جدَّتي، شامخةٌ رافعة الرأس جميلهْ
لم يشاهدْ غيرُ جدِّي وجهَها الحُلْوَ..
ولم تُبْصِرْ لها الأعينُ أطراف الجديلهْ
أنا من قومٍ كرامْ
أنا من أهلٍ لهم من عِزّةِ النفس وسامْ
مرحباً، قلت لها..
أهلاً ببنتِ الأكرمينْ
ثم لَمْلَمْتُ سؤالاً حائراً في الذِّهنِ..
ممزوجاً بشوْبٍ من أنينْ
عجباً، كيف تجاوزتِ حدودَ الطيِّبينْ؟!
وتدثَّرْتِ ثياب الواهمين؟!
كيف أصبحتِ على قارعةِ العَصْرِ..
تسيرينَ على غير هُدى؟!
ولماذا كلُّ شيءٍ أخفتِ الجدَّةُ..
منكِ اليوم للناسِ بَدَا؟!
ولماذا ضاعت الآدابُ يا بنتَ المروءاتِ سُدَى؟!
طأطأتْ بالرأسِ، لم تنطقْ..
وظلَّتْ شاردَهْ
خِلْتُها في لحظة الصمتِ..
بقايا ذكرياتٍ هامدهْ
خِلْتُها شمعةَ حب أطفأتْها الرِّيحُ..
صارتْ خامدهْ
خِلْتُها..
واجتاحني موجُ الذُّهولْ
يا إلهي..
ما الذي أشعل هذا الوهمَ في هذي العقولْ؟!
ما الذي ساق رياحَ الجدْبِ..
حتى حطَّمتْ هذي الحقولْ؟!
أيُّ كفٍ - يا إلهي - قادت الزَّهْرةَ..
حتى أسلمتْها للذُّبولْ؟؟
ما لها، نحو المآسي شاردهْ؟
ما لها، تسْتمرئ الوهْمَ..
وتسْتسْمِنُ أورام الدعاوى الفاسدهْ؟!
غاب ذهني لحظةً..
ثمَّ تنبَّهْتُ إليها
مقلتاها، لا تسلْ عن مقلتيها
كانتا نَبْعيْن نضَّاخيْن بالدمع الغزيرْ
وجهها، كان كأفْقٍ مُفْعمٍ بالغيمِ..
في يومٍ مطير
صوتُها، ما عاد صوتاً، كان أصداءَ بكاءْ
ما الذي يُبكيكِ، يا بنتَ المروءاتِ..
ويا أختَ الإباءْ؟
لَمْلَمَتْ أطراف ما تحملُ من حزنٍ دفينْ
ثم قالت:
أنا أبكي ما أضاع الوهمُ من وقتي الثَّمينْ
أنا أبكي جدَّتي، جدّي..
أبي الغالي الذي ماتَ حزينا
أنا أبكي، حين قدَّمْتُ شمالي..
وتجاهلتُ اليمينا
أنا أبكي شيمتي، عقلي، وإحساسي وفهمي
أنا أبكي، حينما صوَّبْتُ رمحي بيدي نحوي..
وسهمي
كفْكِفِي دمْعَكِ.. أقسمتُ عليها..
كفكفي
لم يزلْ فيك من الإحساس كنزٌ، فاعرفي
لم يزل صوتُك بالتكبير يعلو..
فاهتفي
ارجعي، مدِّي إلى الخير يديْكْ
سترين الوردَ ينمو ضاحكَ الأوراقِ..
مسرورَ الشَّذا في راحتيكْ
إن تكوني اليومَ عن درب المعالي..
شاردَهْ
فغداً سوف تكونين إليها..
عائدهْ
ستعودين إلينا فافرحي
يا شاردَهْ