موضوع: ظاهرة الضعف النفسي و سبل علاجها الثلاثاء سبتمبر 02, 2008 5:15 pm
من كتاب ظاهرة الضعف النفسي و سبل علاجها - د/ مجدي الهلالي -
مما لا شك فيه أن النفس البشرية لها مطالب دائمة تسعى إلى نيلها، و حظوظ تعمل على الفوز بها، و أحلام تتمنى تحقيقها. و هي حين تسعى لتنفيذ مآربها و تحقيق مطالبها لا تلتفت إلى حكم الشرع فيها، بل تنظر إليها بميزان هواها. و حظوظ النفس لا تنتهي أبدا، فإن فتحت لها بابا طلبت الآخر، و إن أعطيت لها شيئا من حظوظها ألحت في طلب المزيد. و لا يستطيع أحدنا أن ينكر أنه قد ضعف أمام نفسه في مواضع كثيرة، و أنها ساقته إلى تنفيذ ما تريد. و يخطئ من يظن أن بعيد تمام البعد عن التأثر بهذه الظاهرة، فالبيئات التي نشأنا فيها و الجو المحيط بنا ليس بالجو الصحي الذي ينتج شخصا معافا قوي الشخصية خاليا من بؤر الضعف النفسي.
الفصل الأول: أقسام الناس أمام نفوسهم. لقد انقسم الناس في تعاملهم مع أنفسهم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول: قسم آمن بالله و ملائكته و كتبه ورسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره، و اتخذ من شريعة الله منهجا للحياة، وأيقن أن أكبر عائق يعيقه عن تجريد عبادته لربه هو نفسه التي بين جنبيه فهي أعدى أعدائه فرفع راية الجهاد عليها و وقف لها بالمرصاد و حاسبها على الصغيرة و الكبيرة. فقد ساق نفسه و باعها إلى الله فرحا بالثمن الغالي الذي بشره الله به ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة ) - التوبة 111- و مما يثير الحزن في النفس أن أصحاب هذا القسم يندر وجودهم، و من الصعب العثور عليهم و إن كانوا بالفعل موجودين بصورة دائمة على مر الأزمان، و لكن بنسب متفاوتة، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله و هم كذلك"
القسم الثاني: أصحابه أناس قد ساروا وراء أنفسهم و هواها لا يتخلفون عن طلب تطلبه و شهوة تريدها. انطبق حالهم مع قوله تعالى ( ارأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) – الفرقان 43 - و للأسف الشديد أن أصحاب هذا القسم كثيرون، فما أيسر العثور عليهم و رؤية حالهم و ما آلوا إليه من عبودية تامة لأنفسهم.
القسم الثالث: قسم قد خالف نفسه تارة، وسار وراءها تارة أخرى، ففيه عبودية لله و عبودية لنفسه تختلف كل منها من شخص لآخر بحسب حجم اتباعه لأوامر ربه أو اتباعه لهوى نفسه. وهذا الصنف موجود بيننا، و الكثير منا –إن لم يكن أغلبنا- يندرج تحت هذا القسم، وللأسف الشديد أن البعض قد خدعتهم مظاهر قوتهم أمام انفسهم في بعض المواقع و بخاصة المحسوسة و المرئية، و ظنوا أنهم قد انتصروا عليها انتصارا تاما.
الفصل الثاني: مظاهر الضعف النفسي. 1. الإعتداد بالرأي. 2. عدم الإعتراف بالخطأ. 3. ضيق الصدر بالنقد و النصيحة. 4. السعادة و البهجة بالمدح. 5. الفرح و السرور إذا ما رئي في موضع يستحق المدح. 6. حب الرئاسة و الصدارة و أن يشار إليه بالبنان. 7. عدم الإعتراف بالعيوب و النقائص. 8. عدم القيام بحقوق الآخرين. 9. المن على الآخرين بخدماته و معروفه. 10. الغرور بإمكانياته و مواهبه ( إنما أوتيته على علم عندي ) – القصص 78 ) 11. عدم حب الخير للآخرين. 12. العمل على الإستئثار بالحديث في أي مجلس يجلس فيه. 13. التسميع بالعمل. 14. الخوف الدائم من الفقر. 15. عدم القدرة على مواجهة الآخرين لشعوره بالضعف أمامهم. 16. سهولة التنازل عن رأيه و مواقفه خوفا من الآخرين.
الفصل الثالث: أسباب الظاهرة. 1. عدم اهتمام الأبوين بغرس المعاني الصحيحة في نفس الإبن منذ الصغر، و ربما العمل على غرس المعاني المضادة دون قصد، الإكثار من المدح، تلبية جميع الرغبات... 2. و قد يكون أسلوب التربية عند الأبوين فيه من الغلظة و الشدة و القهر ما يجعل الإبن ينغلق على نفسه و ينهزم أمامها فيحاول بعد ذلك إثبات ذاته أمام الآخرين فيكثر من الحديث عن بطولات وهمية و إنجازات مزعومة هو بطلها. 3. وجود نقاط ضعف في البناء الداخلي أو البيئة المحيطة بالشخص. 4. وجود بعض المواهب و القدرات لدى الشخص، و عدم تربيته منذ الصغر على أن الله هو الذي منحه إياها. قال ابن القيم: "إن طغيان المعاصي أسلم من طغيان الطاعات"، وقال كذلك:" فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تدل بها عليه و إنك إن تبيت نائما و تصبح نادما خير من أن تبيت قائما و تصبح معجبا فإن المعجب لا يصعد له عمل " 5. عدم شيوع النصيحة بين الناس 6. عدم الاهتمام بالبناء الداخلي و استكمال جوانب النقص 7. عدم محاسبة النفس بصورة مستمرة 8. التقدم للأمام والقفز فوق الصفوف و التصدر دون إعداد و تكوين.
الفصل الرابع: علاج الظاهرة. ينقسم العلاج إلى قسمين: علاج عام و علاج خاص
العلاج العام: 1. شيوع جو النصيحة بيننا بآدابها المعروفة. 2. عدم مدح الآخرين في وجوههم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب" و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " المدح هو الذبح". 3. عدم تصدر الحدث و من لم يعد لذلك. يقول ابن عطاء: " إدفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لا يتم دفنه لا يتم انتاجه" 4. حب الجندية وكراهة الإمارة. 5. الإعتراف الدائم بنعم الله. 6. عدم الرضا عن النفس، فالرضا عن النفس سبب كل بلاء و أصل كل عيب. قال بعضهم آفة العبد رضاه عن نفسه، ومن لا يتهم نفسه على دوام الأوقات فهم مغرور، ولقد كان هذا هو شأن الصالحين دائما. قال الحسن البصري – رحمه الله -: "يخرج رجل من النار بعد ألف عام، يا ليتني كنت ذلك الرجل". و كنت إذا رأيته قاعدا – كما يصفه أصحابه – كأنه أسير قدم لتضرب عنقه، و إذا تكلم كأنه يعاين الآخرة فيخبر عن مشاهدتها، و إذا سكت كأن الطير تسعر بين عينيه. و عوتب مرة على شدة حزنه و خوفه فقال: ما يؤمنني أن يكون الله قد إطلع في بعض ما يكره فمقتني فقال: اذهب فلا غفرت لك". و يقول بكر بن عبد الله: " إذا رأيت من هو أكبر منك سنا فقل: هذا سبقني بالإيمان و العمل الصالح فهو خير مني و إذا رأيت من هو أصغر منك فقل سبقته إلى الذنوب و المعاصي فهو خير مني." 7. ضرورة عناية الآباء بتربية أبنائهم بطريقة صحيحة، و في جو صحي يضمن عدم نشوة شخصياتهم و عدم ضعف نفوسهم.
العلاج الخاص: 1. الإقتناع التام من صاحب المرض بوجود مظاهر الضعف في نفسه ثم إرادة التغيير. 2. الإنكسار لله عز وجل. يقول ابن القيم: " فيشهد العبد في كل ذرة من ذراته الباطنة و الظاهرة ضرورة تامة، و افتقارا تاما إلى ربه و وليه و من بيده صلاحه و فلاحه، فيحصل لقلبه كسرة خاصة لا يشبهها شيء بحيث يرى نفسه كالإناء المرضوض تحت الأرجل، الذي لا شيء فيه و لا به و لا منه ولا فيه منفعة و لا يرغب في مثله، و أنه لا يصلح للإنتفاع إلى بعد جبر جديد من صانعه". 3. زيادة إنكسار النفس. 4. بناء الذات: الاهتمام بالبناء و التكوين الداخلي للعقل و القلب و النفس. فالعقل ينمو و تتسع مداركه بالعلم، فبدونه لن يستطيع أن يسير سيرا صحيحا مأمونا إلى الله عز وجل. الاهتمام بالقاب يبدأ بالتوبة النصوح من ذنوب الماضي و إزالة الحجب التي تكونت أمامه، ثم تعهده بعد ذلك ليستمر اشراقه، و هذا لن يتم إلا بمداومة على فعل الصالحات والتي من شأنها تغذية شجرة الإيمان في القلب، فتنمو و تزدهر، فينعكس ذلك على مرآته فيزداد إشراقها. أما النفس فلا بد من جهادها و تويضها، وهذا يحتاج إلى مجهود ضخم لأنها محبوبة. ولا بد لمن أراد العلاج أن يوطن نفسه على تحمل مرارة الدواء حيث يقول الإمام أبو حامد الغزالي: " وكما أنه لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان، فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة و الصبر لمداوة مرض القلب بل أولى. فإن مرض البدن يخلص منه بالموت، أما مرض القلب و العياذ بالله تعالى مرض يدوم أبد الآباد. 5. المداومة على مراقبة النفس و محاسبتها و عقابها عند الضرورة. قال رجل لعمر بن عبد العزيز: متى أتكلم؟ قال: إذا اشتهيت الصمت، قال: و متى أصمت؟ قال: إذا اشتهيت الكلام. و كان رحمه الله إذا كتب كتابا فخاف العجب مزقه، و يقول اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي. قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء فقلت: يا أمير المؤمنين لا يبفي لك هذا فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين دخلت نفسي نخوة فأردت أن أكسرها. 6. صحبة الأفاضل و الأخيار و النبهاء. 7. دوام القرآءة في سير الصالحين و دراسة أحوال المتواضعين. و في الأخير لا بد من وجود قوة دافعة تعين الواحد منا على الاستمرار في العلاج و عدم الفتور و التكاسل، هذه القوة هي الخوف المفزع من الله عز وجل و من القدوم عليه و نحن على هذه الحالة، و الخوف من النار و ما فيها من سلاسل و أغلال و زقوم و لهيب.
آمنة
المساهمات : 45 تاريخ التسجيل : 03/09/2008 الموقع : www.kate3.com
موضوع: رد: ظاهرة الضعف النفسي و سبل علاجها الأربعاء سبتمبر 03, 2008 6:43 am
السلام عليكم بوركت أخي على هذا الموضوع القيم خاصة واننا نعيش هاته الايام الشهر المبارك نرجو أن نكون من الفائزين فيه وممن يعتقهم المولى عز وجل يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فلا تكلنا لانفسنا طرفة عين